يفهم بعض الإعلاميين الإعلام في ظل ثورة الفضائيات المعاصرة أنه إثارة تحريضية وزاعقة فقط، وبرامج "التوك شو" دليل قوي على ذلك لمن يتابع! ولكن امتد الأمر للبرامج الدينية التي يتصدرها داعية بشهرة الدكتور يوسف القرضاوي، الذي صار إعلامياً أكثر من الإعلاميين، فمن برنامج للقاء لتصريح.. ومعه معارك إثارة لا تنتهي يحيف فيها عن الحق ويظلم الحقيقة حين ينتصر لذاته وموقفه الشخصي، أكثر مما ينتصر للشريعة أو للقضية التي يجادل حولها.. وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثر غلطه. وهو ما قد يعود لارتجال الرجل لأغلب المواضيع التي يتكلم فيها، تسعفه ذاكرته ببطء، ويخف الدليل بينما تثقل الأحكام! كانت آخر سقطات هذا الرجل في حق حكام الإمارات ومؤسساتها، وتهديده بأنه سيستغل منبره وخطبة جمعته في الشجب والنقد لها. تحدث ثماني دقائق تقريباً حول الموضوع كان ثلثاها حول موقفه وقضيته الشخصية وليس عن القضية، التي دعي للتوسط فيها من قبل برهان غليون رئيس المجلس الوطني التأسيسي السوري، وهو ما أنكره ونفاه بيان توضيحي رسمي صدر عن المكتب التنفيذي للمجلس ورئيسه، ورفضهما تدخل القرضاوي وزج اسم المجلس ورئيسه في مواقف خلافية لا تعبر عن موقف المجلس الوطني السوري ولا تطور العلاقة الأخوية الثابتة بينهم وبين الإمارات، فهل كذب القرضاوي ولزمه الاعتذار، هكذا يقول السوريون ونقول نحن الإماراتيون! توسط من غير توسيط، وعرض لقضية أهملها مركزاً فقط على موقفه الشخصي، فلم يعطها أكثر من دقيقتين من حديثه الذي امتد لثماني دقائق أو يزيد، نسي الرجل وكثيراً ما ينسى أن الإمارات والخليج الأقوى موقفاً في الدفاع عن الشعب السوري وعن ثورته ومعارضيه حتى الآن، وهكذا يهتف كثير من المتظاهرين في شوارع حمص وإدلب، ولكن لعل الشيخ لم يسمع هذه الهتافات! سبقت جلبته الأخيرة جلبة أخرى تجرأ فيها على الأزهر الشريف وعلى شيخه وعلمائه، مما دفع رئيس المكتب الفني للأزهر لرد عليه، نشرته جريدة الشروق المصرية بتاريخ 21 فبراير الماضي، كان رداً قاسياً وكشف مغالطات الرجل وإنكاره الجميل والأخذ أكثر من العطاء لقضايا الأمة والوطن! هكذا قال الأزهريون وهكذا نقول نحن الإماراتيون! فحديث الرجل، الذي صوره البعض بابا للمسلمين ووصياً عليهم وتصور نفسه كذلك، رغم أنه ليس في الإسلام كهنوت أو رجال دين، وكل يؤخذ منه ويرد إلا النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- لم يكن مجرد زلة لسان، بل تعبيراً عن فكر تحريضي يستهدف البلاد والعباد، وما أكثر زلات رجال الدين إذا تكلموا فيما لا يفهمون. رجالات الدول هم أهم من رجال الفكر في بناء الدول وصناعة تقدمها وأمنها.. هكذا كان الآباء المؤسسون في الإمارات، وهكذا أبناء الإمارات الذين أقاموا التجربة الوحدوية العربية الناجحة بينما فشلت كل الأيديولوجيات العربية الأخرى. ولكن... تجرأ الشيخ وأخطأ في حق من أحسنوا إليه، ونفّس عن غضبه المكبوت المكشوف، وكان من حق الإماراتيين أن يغضبوا من تصريحاته، ولكن مريديه وأتباعه من جماعة "الإخوان المسلمين" رغم انفصاله القديم عنهم، وانتقاداتهم الدائمة له قبل وبعد الثورة، أخطأ متحدثهم محمود الغزلان مهدداً بأن أي تعرض لهذا الشيخ الفضائي قد يثير العالم الإسلامي، رغم امتداد مشاكله بطول العالم وعرضه، وهو ما استنكره مجلس التعاون الخليجي عامة على لسان أمينه العام الدكتور عبد اللطيف الزياني واستنكرته النخب والمسؤولون في الخليج على السواء.. هل خدع "الإخوان" بعد أن سرقوا ثورات الشباب المدنية في مصر وغيرها وظنوه ربيعهم الإخواني، وقدرتهم على التأثير العالمي، هلا اجتهدوا في معالجة الفوضى الناشئة بعد الثورات، وهم يعانون نزيفاً يومياً للمصداقية تفقدهم ثقة القوى السياسية والشعوب التي بدأت تنفض من حولهم، وأصلحوا جماعتهم التي شهدت سبعة انشقاقات منذ نجاح الثورة المصرية انشقت فيها قيادات كبيرة من الصف الأول ( نائب مرشد وعضو مكتب إرشاد) كما خرج عليهم شبابهم يائسين من شيوخهم، وخرج آخرون من مجلس الشورى متهمين الجماعة بالفساد المالي والإداري وتزوير الانتخابات الداخلية فيها!! هلا أصلحوا أنفسهم قبل أن يصلحوا غيرهم... أو يصدروا ثورتهم المسروقة من الشباب! إن القرضاوي لم يفهم الإمارات، فعلاقة حكام الإمارات بأبنائها هي علاقة الراعي والرعية، الآباء والأبناء، هذه هي الثقافة التي أسسها الشيخ زايد- طيب الله ثراه- ويسير على نهجها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان – حفظه الله- ، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وإخوانهما أصحاب السمو حكام الإمارات. وهي الثقافة التي يمارسها فعلاً لا قولاً، الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة من خلال لقاءاته ومتابعاته لأحوال المواطنين وشؤونهم صغيرها وكبيرها في الحواضر والبوادي؛ في المدن الكبيرة كما في القرى النائية البعيدة. تكفي الإمارات شرعية النجاح والإنجاز التي تشهدها الدولة ويشهد بها القاصي والداني لن يضيرها كيد الكائدين وطمع الطامعين مهما حدث، فالإمارات التي صنعت نموذجاً عربياً وعالمياً يحتذى به لن يضيرها حديث عابر لـرجل كثرت سقطاته! ولن ينخدع العالم فضلاً عن أبناء الوطن مع هذه الشرعية الناجحة المائزة إنجازاً وبناء في ترهات ومغالطات المغالطين والموتورين في مواقفهم الذاتية، أو في سكرهم الأيديولوجي والخطابي.. فقد سقطت أقنعتهم، كشفها بعض المتراجعين والمنشقين عليهم قبل خصومهم، فخاب مسعاهم، وأدرك الجميع خطورة أجندتهم، ومخططاتهم، والسعيد من وُعظ بغيره! إن هؤلاء الذين اختصروا الدين والدنيا في فتاوى الشيوخ وولاية الفقيه ووصاية المرشد.. منذ سقوط خلافة بني عثمان.. إنما يعيشون فقط عصر الفتنة.. حمانا الله وإياكم منها. د.حنيف حسن القاسم كاتب إماراتي